الجمعة، 11 ديسمبر 2009

العملاق النائم .. متى يستفيق !؟



في أحد الأيام ومن خلال جولاتي الصحفية تسنى لي زيارة مدينة بعشيقة في أقصى شمال العراق، وبعشيقة ذات التعدد الطائفي والديني فيها الكثير من الأشياء التي تستحق الذكر، فليس زيتونها هو المميز عن قريناتها من المدن، بل هناك ميزة أخرى هي أنه بجانب كل جامع تجد هنالك كنيسة! زيارتي تلك كانت في يوم جمعة فشاهدت جموع المسلمين وهم يتجهون الى المساجد لأداء صلاة الجمعة، بباب أحد الجوامع، قبل دخولي لأداء الصلاة، وقفت متأملاً منظر الكنيسة المجاورة له، خصوصاً بعد ان أخذت أجراسها تعلن بداية قداس جديد، فأحتشد النصارى، ممن كفل المسلمون حقوقهم على مر الزمان، من كل حارة وفرع وشارع لتغص بهم الكنيسة قبل ان يتفرقوا بعد انتهاء مراسيمهم الدينية، بعد أن سبقهم المسلمون في نهاية مراسم صلاة الجمعة.

هذا المشهد لم أره في بلد غربي أو شرق آسيوي أو أفريقي، بل في بلدي العربي صاحب الديانة الإسلامية، والذي يحوي شعباً إسلامياً لم يبخس الآخرين دينهم وكنائسهم ومعابدهم، سيراً على نهج المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي حفظ لليهود وغير اليهود حقوقهم الدينية والمدنية، وسيراً على نهج الخلفاء وحكام الأمة الإسلامية مثلما فعل عمر بن الخطاب رضوان الله تعالى عنه يوم حمى حقوق النصارى من جور رافعي راية الصليب أنفسهم، ورفض الصلاة في كنيسة القيامة حتى لا تصبح سُنة يطبقها المسلمون من بعده، حفاظاً على حقوق الديانات الأخرى في أرض الإسلام!

تأملت حال المسلمين اليوم، والذين يشكل تعدادهم مليار ونصف المليار ويزيد في كل بقاع الأرض، أي ربع سكان العالم، أي من كل أربعة آدميين هناك واحد منهم يدين بدين الحق الآلهي، دين الإسلام، الذي جاء به خاتم الأنبياء والمرسلين محمد صلوات ربي وسلامه عليه، لكن من ينظر الى حال هذه الأمة العظيمة يرى العجب العجاب، فأراضيها مستباحة، وخيراتها منهوبة، وأبناؤها بين نائم في سبات عميق، أو غارق في السجون والمعتقلات، وبين من يجلس في بيته لا حول له ولا قوة ، قبل أن تنتقل آفة هذا الخنوع والذل الى البلدان التي تتواجد فيها الجاليات الإسلامية، فالدين الذي أمسى اليوم الديانة الثانية في كثير من البلدان الأوربية ممتهن، وأتباعه مهانون، وحقوقهم مسلوبة، فدول الغرب التي أنهت الخلافة الإسلامية وحاربت ملة الإسلام بكل الطرق والوسائل تذبح بالمسلمين من الوريد إلى الوريد، تذبح بهم في العراق، تذبح بهم في أفغانستان، في فلسطين، في الصومال، في الهند، في الصين، في بورما والفلبين وباكستان والسودان مثلما تم ذبحنا سابقاً في الشيشان وصربيا والبوسنة والهرسك.

الأمة الإسلامية اليوم فقدت قيادتها وفقدت خليفتها وتشرذمت، وهو ما مهد لدول كانت بالأمس القريب لا تستطيع رفع عينها بوجه الدولة الإسلامية، لتغتصب حقوقنا نحن المسلمين، وتستأسد على أمتنا الإسلامية، وتعتدي علينا، أن لم يكن في عقر دارها ففي عقر دارنا، فهاهي بلجيكا التي يعيش فيها أكثر من نصف مليون مسلم تجبر المسلمين على النطق بالكفر وعلى سب الرسول صلى الله عليه وسلم، مثلما يحدث في سجونهم، حيث يتم إجبار السجين المسلم على النطق بالكفر وإهانة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، لقد أصبحت هذه الممارسات نهجاً يُمارس في السجون البلجيكية، حتى أصبحت تلك الممارسات تفوق ما كان يجري في معتقل (أبو غريب) ذائع الصيت والسمعة بالعراق، وهو ما اعترف به وزير العدل البلجيكي ستيفان دي كيلرك بنفسه الذي حدد سجن (فوريست) وسماه بالاسم، والموجود في العاصمة بروكسل، كما قام هذا البلد الأوربي بطرد مسلمتين من عملهما كونهما محجبتين ليس إلا!

بلجيكا ليست البلد الغربي الوحيد الذي أعلن الحرب على المسلمين جهاراً نهاراً، بل كان لألمانيا نصيب من هذه الحرب، فهاهي المحاكم الألمانية تمنع ذبح الأضاحي في أعياد المسلمين تحت ذريعة حماية حقوق الحيوان، متناسين أن جنودهم المحتلين في أفغانستان يسومون المسلمين ألوان العذاب، ويُشربونهم كأس الهلاك، ويقتلونهم ليل نهار، وهم يتشدقون بأن للحيوان حقوقاً، وكأن القتل والتعذيب والاحتلال، ونحر البشر كالنعاج على الطريقة الهوليودية، حينما يتعلق بالشعب المسلم فأن الأمر فيه وجهة نظر، بل هو من المحببات في قواميسهم وتشريعاتهم الصليبية ما دام الهدف ليس الحيوان بل أمة الإسلام.
وفي ألمانيا كذلك تتعرض المسلمات الى أساليب الإهانة والذل وانتهاك الحقوق كما حدث في مدينة (غوتينغن) التي تعرضت فيه طالبة طب مسلمة تبلغ من العمر لاعتداء من قبل مجهولين على خلفية ارتدائها الحجاب، قبل ان يدوسوها بأقدامهم وسط الشارع.

أما عدوة الإسلام الأولى أميركا التي أعلنت حربها اللعينة والعلنية على الإسلام والمسلمين، حينما خاطب رئيسها السابق العالم اجمع وهو يقول لهم (أنها حرب صليبية أخرى)، فقد دنست القرآن الكريم وجعلته هدفاً لرصاصات جنودها في العراق وفي أفغانستان وفي كل مكان تحتله من أرض الإسلام، ولم تكتف بقتل المسلمين وأسرهم واعتقالهم ومحاربتهم بكافة الطرق والوسائل، بل وصلت بها الجرأة إقامتها قبل أيام نصباً تذكارياً لكلب، لقتله إمام مسجد مسلم في إحدى ولاياتها، وراحت الجمعيات الشوفينية، النازية، الفاشية، العنصرية تجمع الأموال الطائلة لإقامة الصرح التذكاري لكلبهم أخزاهم الله، ليس هذا فقط، بل وحظرت على المسلمين الصلاة في أماكن العمل والدراسة أثناء فترات الاستراحة بين ساعات العمل والدراسة، والأدهى أنهم فصلوا طالبة مسلمة من الدراسة بمدينة (لويستون) جنوب شرق ولاية (مين) لا لسبب سوى لأنها كانت تصلى بشكل سرى أثناء فسحة الغداء، فحينما اكتشف مسؤولو المدرسة أن الفتاة كانت تصلي أثناء فترات الفسحة تم فصلها من المدرسة!

ثم تأتي حملة الصحف الدنماركية لتعتلي الموجة من خلال نشرها رسوماً مهينة لنبينا الكريم، صلى الله عليه وسلم، في إساءة وإهانة وتحدٍ للعالم الإسلامي، بل وتُقدم بعض البرلمانات الأوربية على تكريم رسامي الكاريكاتير الذين يسيئون أكثر لأمة الإسلام ولرموزها، وتكريم الصحف التي تقوم بنشر هذه الرسوم المسيئة، ويمنحونهم الميداليات الذهبية والمبالغ الطائلة احتفاءً بهم وبأفعالهم التي لا يُقدم عليها إلا حاقد على الإنسانية جمعاء لا على الإسلام فقط! ولم تشذ عن هذه القاعدة فرنسا التي ترى في الحجاب (علامة استعباد) وأن ارتداءه (غير مرحب به) عندها، وتسن القوانين المقيتة ضد من تقدم على ارتدائه.
لقد وصل الحال بالغرب الى أن يقتلوا المسلمين حتى في محاكمهم وأمام قضاتهم الذين يكتفون بالتفرج، ومنح الأحكام المخففة للمجرمين، في تحد سافر لمشاعر أمة المليار ونصف المليار، وسط صمت مقيت من كافة الدول الإسلامية مثلما حدث مع شهيدة الحجاب (مروة الشربيني) التي انتفضت لكرامة دينها، الذي هو من كرامتها، ورفعت دعوى قضائية ضد أحد كلاب الغرب الذي حاول نهش لحمها والاعتداء عليها في الشارع، كونها مسلمة وتضع الحجاب الشرعي، في وقت تدخل الأنظمة والجيوش والشعوب الإسلامية في استنفار وحالة إنذار قصوى للعبة كرة قدم تشوه صورة المسلمين وتجعل منهم كرة تتقاذفها أرجل أعدائها.

أإلى هذه الدرجة بات دم المسلم لا قيمة له، حتى ما عاد يساوي درهماً في السوق الأسود، وكل يوم قتل ونهب واستهزاء وحقد أصفر يصيب المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، والصامتون لا تحركهم أنات الثكالى ولا دمعات الأطفال اليتم، ولا تهزهم مسلمة مفجوعة وهي تنادي أغيثوني!

أن من ينظر لأمة الإسلام اليوم يرثي حالها، فأجزاء منها محاصرة، وأخرى تحت القصف، وثالثة للقتل والسلب والنهب مرتع، ورابعة تحت خط الفقر تشكو الى بارئها جوع المسلمين وغنى السلاطين.
أهكذا بات مصيرنا بيد الطغاة والعتاة والجناة، أما لهواننا من خاتمة، أما لهذا الجرح من اندمال، أما لهذا الظلم من نهاية ؟! متى تنتفضي يا أمة الإسلام، ماذا تنتظرين فقد وصلت السكين حد العظم، فالعرض اُنتهك، والأرض اُغتصبت، و الحناجر بلغت الحلقوم، فمتى ندرك أن لا خلاص لنا مما نحن فيه إلا بأيدينا، لا بأيدي أعدائنا، متى يستفيق الحكام والولاة والأمراء والسلاطين والرؤساء ويدركوا أن عزتهم بدينهم لا بدنيا عدوهم؟! متى يدركوا أن بقاءهم لُعباً كارتونية بيد أجهزة المخابرات الغربية لن تزيدهم إلا ذلاً ومهانة، متى يدركوا أن عزهم في إسلامهم وفي وطنهم وفي حارات مدنهم لا في دهاليز مخابرات أعدائهم، متى يدركوا أن عروشهم ستظل متهرئة تهتز، لا طرباً كما تجري عليه العادة، بل خشية السقوط ما دامت مقاليد الحكم في أيدي أعدائهم؟!

متى يدرك شبابنا أنهم مستغفلون، وان الإعلام المسيس والذي تديره أبواق غربية، بلغة عربية، هو أساس الوباء والبلاء.. متى يدركون ان صمتهم على ما يجري لأبناء أمتهم مرده إليهم وفي نحرهم، وأنهم مسائلون عنه يوم العرض على الرحمن؟!
جيوشنا تعدادها بالملايين، لكنها، وحينما يحمى الوطيس، يصيبها الخنوع، وتصبح كدقيق في يوم عاصف نثروه، لا حياة فيها، ولا روح، لا يرف لها جفن، أو تقشعر لها نخوة المعتصم لنصرة النساء والشيوخ والأطفال، فأن تحركت الجبال من مكانها فلن تتحرك جحافلها، والأطفال أمامها تقتل بيد أعداء الإسلام وأشلاؤهم تتطاير، والبيوت تهدم على رؤوس ساكنيها، والحرائر يفتك بهن صباح مساء، ومن يسعى لنجدة إخوانه وأهله وأبناء جلدته من غير المنتمين لتلك الجيوش، ممن حركتهم غيرتهم وحميتهم الإسلامية على إخوانهم، نرى الكثير يصمهم بكل نقيصة، ويصفهم بكل سيئ، والأكثر من ذلك أن يُسعى لقتلهم، أو ألقائهم خلف قضبان الزنازين، مبررين جرائمهم باستخفاف عقول الجهلاء, وأن هؤلاء المسلمين، الغيارى على الدين، (إرهابيون)، وما إلى ذلك من مصطلحات يهودية حاقدة، فأصبحت توجه الى صاحب الغيرة، المدافع عن الدين والعرض والشرف، عبارات مصدرها أعداء الإسلام لتشويه وتضليل أفكار الجهلاء من أبناء جلدتنا، كي يقفوا بوجه المخلصين ومحاربتهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

يا أمة الإسلام، أن الذل الذي تعيشينه في حاضرك باقية أنت فيه ما دمت لم تتبايعي بالعينة، ولم تأخذي بأذناب البقر، وما دمت لم ترضي بالزرع، وما دمت قد تركتي الجهاد في سبيل الله، فكيف يرفع الله شأنك وينزع ذلاً ما لم ترجعي دينك، هكذا قد قال رسولك ونبيك!

فأين نحن من المكانة التي وضعنا الله فيها، ومن الرسالة التي كٌلفنا بحملها، أين نحن من تطبيق أحكام الله، أين المسلمون منا، ونحن نذبح في رمح الله وجمجمة العرب العراق، ونقتل في بلاد بيت المقدس، ودماؤنا تسيل في كابل، وتُراق في وزيرستان، وكأنها رخيصة لا قيمة لها.. ألا من نهضة ووقفة للحفاظ على أعراضنا ودمائنا ومقدساتنا وحرماتنا، ووحدة بلادنا، أما آن الأوان لهذه الأمة أن يتحرك حنينها إلى العزة، وتعود لعصرها الذهبي، يوم كانت تحكم مشارق الأرض ومغاربها، أين ذاك الخوف المرعب الذي يداهم كل من يفكر في التجرؤ على حدود قرية مسلمة؟!
فيا أمة الإسلام ألا من هارونٍ رشيدٍ ليقول للغمامة (أمطري حيثما شئتي فسوف يأتيني خراجك)، ألا لصلاح الدين من عودة، ألا لسيف الله المسلول من نهضة، ألا لسعد بن أبي وقاص من كرة ، ألا للقعقاع من صرخة مدوّية أخرى، فقد جاوز الظالمون المدى، أما حق الجهاد وحق الفدا!؟

أما آن لأمة الإسلام أن تنتفض من جديد، وتعيد لنا مجيدنا التليد، أما، أما، أما يا مسلمون!؟

بقلم حسين المعاضيدي

hussein.almaadidi@gmail.com

المصدر :







ليست هناك تعليقات: