الخميس، 4 مارس 2010

التقرب إلى الله - الحرص على أداء الفرائض ، مراعاة سلم القيم



3- الحرص على أداء الفرائض

وهي كثيرة، ومنها الصلوات الخمس كل في وقتها، قال تعالى: ( وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (9) أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (11)) المؤمنون وقد حذر الشرع من التهاون في أمرها حيث قال الله تعالى: ( فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاتِهِمْ سَاهُونَ (5) ) الماعون وقال عليه وعلى آله الصلاة والسلام " من هانت عليه صلاته، كان على الله عز وجل أهون " ومما ينسب إلى عمر بن عبد العزيز رحمه الله قوله " فإنه من يضيع الصلاة فهو لما سواها من شرائع الإسلام أشد تضييعا " وذلك يعني أن من يفرط في أمر الصلاة فلا يكون أمينا صادقا في حمل الدعوة والانتساب إلى الإسلام.

وطلب المحافظة على الصلاة لا يقتصر عليه، فقد طلب سبحانه وتعالى أن يأمر الرسول أهله بالصلاة ويصبر على مشاقها حيث قال: ( وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ) طه (132) وقد حث الشرع على صلاة الجماعة وحذر من تركها وقد سمع النداء، قال عليه وعلى آله الصلاة والسلام: " الجفاء كل الجفاء والكفر والنفاق على من سمع منادي الله ينادى يدعوه إلى الفلاح ولا يجيبه " وعن عمرو بن أم كلثوم قال: قلت يا رسول الله: أنا ضرير شاسع الدار ولي قائد لا يلائمني فهل تجد لي رخصة أن أصلي في بيتي قال: أتسمع النداء؟ قال: نعم، قال: ما أجد لك رخصة " وقال عليه وعلى آله الصلاة والسلام: " من سمع النداء بالصلاة فلم يمنعه من إتيانها عذر، قيل: وما العذر يا رسول الله؟ قال: خوف أو مرض، لم تقبل عنه الصلاة التي صلى " وأخرج الحاكم في مستدركه عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: " ثلاثة لعنهم الله: من تقدم قوما وهم له كارهون، وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط، ورجل سمع حي على الصلاة حي على الفلاح ثم لم يجب " وقد أمر أبو بكر الصديق رضي الله عنه ولده عبد الله أن يطلق زوجته عاتكة بنت زيد بعد
أن شغلته عن صلاة الجماعة فانصاع لأمر أبيه رضي الله عنهما.

وينبغي الخشوع في الصلاة والتفهم لمعنى الكلام ويكون ذلك بقطع الخواطر عن كل ما يشغل السمع والبصر وذلك بالقرب من القبلة والنظر إلى موضع السجود والاحتراز من المواضع المنقوشة وأن لا يترك عنده ما يشغل حسه فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما صلى في انبجانية لها أعلام نزعها وقال: " إنها ألهتني آنفا عن صلاتي " وعلى من يريد الصلاة أن يقضي أشغاله قبل الصلاة ويذكر الآخرة وخطر القيام بين يدي الله عز وجل وهول المطلع وأن يكون راجيا بصلاته الثواب كما يخاف من تقصيره العقاب.

وهذه صور من صلاة السلف الصالح رحمهم الله جميعا:
عن محمد بن أبي حاتم الوراق قال: دعي محمد بن إسماعيل البخاري إلى بستان بعض أصحابه، فلما حضرت صلاة الظهر صلى القوم، ثم قام للتطوع فأطال القيام، فلما فرغ من صلاته رفع ذيل قميصه فإذا زنبور قد ابره في ستة عشر موضعا، وقد تورم من ذلك الجسد وكانت آثار الزنبور في جسده ظاهرة، فقال له بعضهم كيف لم تخرج من الصلاة في أول ما ابرك؟ فقال: كنت في سورة فأحببت أن أتمها.

قال عمر بن عبد العزيز يوما لابن أبي ملكية: صف لنا عبد الله بن الزبير فقال: والله ما رأيت نفسا ركبت بين جنبين مثل نفسه، ولقد كان يدخل في الصلاة فيخرج من كل شيء إليها، وكان يركع أو يسجد فتقف العصافير فوق ظهره وكاهله، لا تحسبه من طول ركوعه وسجوده إلا جدارا أو ثوبا مطروحا، ولقد مرت قذيفة منجنيق بين لحيته وصدره وهو يصلي، فوالله ما أحس بها، ولا اهتز لها، ولا قطع من أجلها قراءته ولا تعجل ركوعه.

قال سعيد بن المسيب: حججت أربعين حجة، وما فاتتني التكبيرة الأولى منذ خمسين سنة، وما نظرت إلى قفا رجل في الصلاة منذ خمسين سنة.

بعد أن فرغ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم والمسلمون من غزوة ذات الرقاع نزلوا مكانا يبيتون فيه، واختار الرسول الكريم للحراسة نفرا من أصحابه يتناوبونها وكان منهم عمار بن ياسر وعباد بن بشر في نوبة واحدة، ورأى عباد صاحبه عمار مجهدا فطلب منه أن ينام أول الليل على أن يقوم هو بالحراسة، ورأى عباد أن المكان من حوله آمن فقام يصلي، وإذ هو قائم يقرأ بعد فاتحة الكتاب سورة من القرآن، اخترم عضده سهم فنزعه واستمر في صلاته، ثم رمي بسهم ثان، ثم رماه المهاجم في ظلال الليل بسهم ثالث نزعه وأنهى صلاته، ثم ركع وسجد، وكانت قواه قد بددها الإعياء والألم، فمد يمينه وهو ساجد إلى صاحبه النائم بجواره، وظل يهزه حتى استيقظ، ثم قام من سجوده وتلا التشهد وأتم صلاته، وصحا عمار على كلماته المتعبة تقول له: قم للحراسة مكاني، فقد أصبت، ووثب عمار محدثا ضجة وهرولة أخافت المتسللين، ففروا ثم التفت إلى عباد وقال له: سبحان الله، هلا أيقظتني أول ما رميت، فأجابه عباد: كنت أتلو في صلاتي آيات من القرآن ملأت نفسي روعة فلم أحب أن أقطعها، ووالله لولا أن أضيع ثغرا أمرني رسول الله بحفظه لآثرت الموت على أن أقطع تلك الآيات التي كنت أتلوها.



4- مراعـاة سـلم القيـم

ويعني ذلك أن يكون الله ورسوله أحب إلى نفسه من الدنيا وما فيها، وأن يضحي بجميع مصالحه وارتباطاته في سبيل الله، وان يكون لمقام الدعوة المقام الأول في حياته الدنيا، وهذا هو الإيمان الحق وعنوان التجرد لله سبحانه وتعالى، قال الله تعالى: ( قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) التوبة (24) وقد علمنا الرسول الكريم ترتيب سلم القيم بقوله: " إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم بأذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم".

وقد ضرب لنا السلف الصالح أمثلة في ذلك يقتدي بها العاملون المخلصون:
هذا خالد بن الوليد يقول يوما " ما ليلة يهدى إلي فيها عروس أو أبشر فيها بوليد بأحب إلي من ليلة شديدة الجليد في سرية من المجاهدين أصبح بهم المشركين ".

وهذا مصعب بن عمير يقول فيه رسول الله: " لقد رأيت مصعبا هذا وما بمكة فتى أنعم عند أبويه منه، لقد ترك ذلك حبا لله ورسوله " .

وهذا سعد بن أبي وقاص يقول لأمه: تعلمين والله يا أماه لو كانت لك مئة نفس فخرجت نفسا نفسا ما تركت ديني هذا فكلي إن
شئت أولا تأكلي.

وهذا صهيب الرومي يضحي بجميع ما يملك مقابل السماح له بالهجرة فيقول رضي الله عنه: " ربح البيع أبا يحيى، ربح البيع أبا يحيى ".

وهذا سعيد بن عامر يقول لزوجته وقد آسفها إنفاق زوجها في سبيل الله " تعلمين أن في الجنة من الحور العين والخيرات الحسان ما لو أطلت واحدة منهن على الأرض لأضاءت جميعا، ولقهر نورها نور الشمس والقمر معا، فلأن أضحي بك من أجلهن أحرى وأولى من أن أضحي بهن من أجلك ".

يقول القاضي بهاء الدين بن شداد عن صلاح الدين رحمه الله: لقد كان حبه للجهاد والشغف به قد استولى على قلبه وسائر جوارحه استيلاء عظيما، بحيث ما كان له حديث إلا فيه، ولا نظر إلا في آلته، ولا كان له اهتمام إلا برجاله، ولا ميل إلا إلى من يذكره ويحثه عليه، لقد هجر في محبة الجهاد في سبيل الله أهله وأولاده ووطنه، وسائر بلاده، وقنع من الدنيا بالسكون في ظل خيمة تهب بها الرياح ميمنة وميسرة.

وهذا جيل من الشباب يمضي في طريق الدعوة والثبات عليها ولا يبالي بما عليه الآباء والأمهات من الكفر والعناد: علي وجعفر على الإسلام، وأبوهما أبو طالب يموت كافرا، أبو عبيدة الجراح يقتل أباه عبد الله بن الجراح يوم بدر، أبو حذيفة يقتل أبوه عتبة بن ربيع يوم بدو فيحزن حزنا شديدا لا لسبب إلا لأنه مات على الكفر.

مصعب وسعد ناصبتهما أماهما العداء فلا يباليان، الوليد وهشام وخالد أولاد من قال فيه القرآن الكريم: ( ولا تُطِعْ كُلَّ حَلافٍ مَّهِينٍ (10) هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ (11) مَنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ (13) ) القلم.
وهناك مفارقة عجيبة، الإسلام يجمع بين زوجين كريمين هما حنظلة الغسيل وجميلة، وأبواهما من ألد أعداء الإسلام والمسلمين، حنظلة بن أبي عامر الراهب والأب رأس الكفر و العمالة لدولة الروم، وجميلة بنت عبد الله بن أبي والأب رأس النفاق بالمدينة المنورة.

مر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بسيدة من بني دينار استشهد في معركة أحد: أبوها، وزوجها، وأخوها. وحين أبصرت المسلمين العائدين من المعركة، سارعت نحوهم تسألهم عن أبنائها، فنعوا إليها الزوج والأب والأخ وإذا بها تسألهم في لهفة: وماذا فعل رسول الله؟؟ قالوا: خيرا، وهو بحمد الله كما تحبين. قالت: أرونيه، حتى أنظر إليه.
فلبثوا بجوارها حتى اقترب الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فلما رأته أقبلت نحوه تقول: كل مصيبة بعدك، أمرها يهون .

ليست هناك تعليقات: